نشرتُ في السابق مقالا تحت عنوان: "غزة والإعلام الغربي.. مظاهر التحيز والتضليل"، وقد حاولتُ فيه تسليط الضوء على تغطية هذا الإعلام للحرب الدائرة في القطاع، وكيف عمل على طمس الحقائق وفبركة الأخبار وإظهار هذا الكيان المسعور في ثوب من التحضر والتمدن والإنسانية. ومن خلال تتبعي لهذا النهج، فإنه يمكن القول إن هذه السردية لم تعد بذلك التأثير، وهو الأمر الذي انتبه له داعمو هذا الكيان من الأثرياء الصهاينة الذين يغدقون الأموال على حراس الجبهة الإعلامية لــ"أرض الميعاد" من منطلق عقائدي أيديولوجي.
وفي هذا المقال، سأحاول أن أنقل صورة معاكسة، يلعب فيها الكيان دور الضحية من زاوية إعلامية هذه المرة، يمارس فيها أسلوبه المفضل وهو الكذب، وقد اخترتُ كعينة للمعالجة والتحليل، مقالا نشرته مجلة المحافظين الأقوى في الولايات المتحدة وهي The national Review والتي عملت فيه من خلال أحد كُتابها المرموقين، على إرسال تنبيهات لوسائل إعلام غربية وإن بطريقة غير مباشرة تقول فيها إنهم قد خرجوا عن "أدبيات" التغطية السليمة والتي تعني من وجهة نظرهم تلك التي يكون فيها الكيان الصهيوني دائما على حق وإن أخطأ، أو بعبارة أخرى، ما تحدث عنه زعيم المعارضة حاليا في الاحتلال يائير لابيد، عندما خاطب وسائل الإعلام الغربية قائلا: "أنتم لا تساعدوننا بكونكم موضوعيين".
يبدأ المقال بوصف الإعلام الذي يقول الحقيقة بأنه موجه وبأن إسرائيل دائما المخطئة في نظره، وبأن التغطية متخلفة، معتبرا أنه يتعامل مع حركة حماس كمصدر موثوق وبأنها تحترم المواثيق الدولية وقواعد الاشتباك والجوانب الإنسانية المتعلقة بالصراع، بينما يرى على الجانب الآخر، أن إسرائيل تُعامل معاملة المتهم كل مرة وأن كلما يصدر عنها هو موضع شك، مضيفا أنهم "ينظرون إلى الكيان الصهيوني كعصابة أو خلية إرهابية " (كاتب المقال: نظرهم سليم).
ويضيف المقال أن من يريد التأكد مما يصفه بالانحياز أو التطير، فعليه انتظار صدور بيانين من الجانبين حول نفس الحدث وكيف يتعاطى الإعلام معهما، معتبرا أن الشكوك تتضاعف حول البيانات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي يعطي لبيانات المقاومة زخما كبيرا. وكمثال على هذا الموضوع، تطرق المقال إلى حادثة تحرير أربعة أسرى إسرائيليين، منتقدا شبكة السي أن أن، على خلفية حديثها عن عدم تعرض الجنود الذين شاركوا في العملية لإطلاق نار الأمر الذي يبدو غريبا بالنظر إلى عدد الشهداء الكبير من المدنيين يومها. معتبرا أن الشبكة وإن لم تقلها صراحة إلا أن تقريرها يحمل اتهاما مُبطنا للجيش الإسرائيلي بارتكاب مجزرة في حق مدنيين عُزل بدم بارد، مستهجنا تبني الشبكة ومعها من وصفها بالمُفلسة أسوشيتيد برس والبي بي سي ولوس أنجلوس تايمز، للإحصائيات الصادرة عن المقاومة ولوصفهم حماس بــ"سُلطات غزة"، حيث يرى أن تبني وسائل الإعلام هذه لعدد الضحايا الكبير واستخدام مصطلح "وزارة الصحة" كمصدر للإشارة إلى حماس يُعتبر سقطة مهنية، مسلطا الضوء على عنوان للسي أن أن يقول إن الناطق باسم جيش الاحتلال قال إن "مدبر عملية اختطاف رهائن مخيم النصيرات صحفي دون أن يقدم أدلة" ونقطة غياب تقديم الأدلة هي التي استفزت كاتب المقال، لأنه تعود على أن يكون الاحتلال بعيدا عن أي مساءلة، حتى ولو كانت بدرجة تساؤل وعلى استحياء من وسيلة إعلام غربية. وقد لفت انتباهي صورة أشار إليها المقال محاولا تحطيمها في أذهان المتابعين، عندما قال متظاهرا بالتعجب والاستغراب، إن اليهود لو كانوا فعلا يسيطرون على الإعلام في الغرب لما كانوا "ضحية له" أي بالنظر إلى "مظاهر الانحياز" التي ذكرها في هذا المقال.
لم يكن هذا المقال هو الوحيد، وإنما مجرد عيّنة من آلاف المواد الإعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة وعلى البودكاست ومنصات عرض الأفلام وغيرها، حيث شهدت الأيام الأخيرة تدفقا هائلا للمعلومات المضللة على الصعيدين الرسمي والموازي للاحتلال، والتي تحاول عبثا تحريك ورقة التوت حتى تغطي جزء ولو يسيرا من سوءات هذا الكيان الغاصب وليظهر أمام العالم كضحية من منظور إعلامي في إطار هذا الصراع.
المصطفى ولد البو - كاتب صحفي