رداءة الكتاب المدرسي في موريتانيا: أزمة تعليمية تتطلب حلولاً عاجلة

إن كنت قرأت يوما أحد كتب اللغة الفرنسية للمستوى الإعدادي أو الثانوي أو قارنت بين منهج وزارة التربية وإصلاح نظام التعليم ومحتوى الكتب فستجد اختلافات واختلالات كثيرة من نقص في المادة العلمية وقد تصل حتى إلى رداءة الطباعة وإهمال تنظيم المحتوى الذي بترتب عليه لاحقا الفشل الدراسي حيث يعد الكتاب المدرسي أحد أعمدة المسار التعليمي، إذ يشكل الوسيلة الأساسية لنقل المعارف والمفاهيم إلى الأجيال الناشئة. ومع ذلك، فإن ما نشهده في موريتانيا من تدهور جودة الكتب المدرسية الصادرة عن المعهد التربوي الوطني يثير تساؤلات جدية حول فعالية المنظومة التعليمية بأكملها. فالكتب المدرسية، التي كان يُفترض أن تكون أداة لتطوير وفهم العلم وتحقيق أهداف الوزارة، تعاني من مشاكل جوهرية تجعلها عبئاً بدل أن تكون رافعة للتعلم.

 

المحتوى الرديء والطباعة غير المصححة

أولى المشكلات التي تظهر بوضوح في الكتاب المدرسي هي رداءة المحتوى. فالكتب تفتقر إلى التنظيم المنهجي والعلمي، مما يجعلها غير قادرة على تحقيق الأهداف التربوية المرسومة وكثيراً ما نجد معلومات غير دقيقة، وأحياناً مغلوطة، مما يؤدي إلى تشويه المفاهيم لدى الطلاب. بالإضافة إلى ذلك، لا يتناسب المحتوى مع المنهجية التي وضعتها وزارة التهذيب الوطني، بل يبدو وكأنه منفصل تماماً عن السياق التعليمي العام.

أما من حيث الطباعة، فإن الإهمال يظهر بوضوح في الأخطاء اللغوية والنحوية المنتشرة في النصوص، فضلاً عن التصميم السيئ. هذه العيوب الطباعية لا تؤثر فقط على استيعاب الطالب، بل تعكس أيضاً ضعف الرقابة على عملية إنتاج الكتب. فما هو دور اللجان المكلفة بمراجعة الكتب المدرسية إن لم تتمكن من تصحيح هذه الأخطاء؟

 

أسباب المشكلة

المشكلات التي تعاني منها الكتب المدرسية ليست وليدة الصدفة، بل تعكس أوجه القصور في المنظومة التعليمية نفسها ويمكن تلخيص الأسباب الرئبسية لهذه الأزمة في نقطتين رئيسيتين:

1. الثقة المطلقة في بعض الأوجه

من أبرز الإشكالات التي تواجهها الدولة الموريتانية هي منح الثقة المطلقة لبعض الأفراد أو الجهات الإدارية دون التحقق من كفاءتهم الفعلية. هذا النوع من الثقة المطلقة يُنتج ما يمكن وصفه بـ"البيروقراطية المتسلطة"، حيث يتم تجاهل الأخطاء أو التقليل من شأنها بحجة أن هذه الجهات أو الأفراد لا يخطئون. مثل هذا النهج يؤدي إلى تراكم الأخطاء وتفاقمها، خاصة في قطاع حساس كقطاع التربية والتعليم.

 

2. ضعف كفاءة اللجان المكلفة بصياغة الكتب

أرى أن اللجان المكلفة بإعداد الكتب المدرسية، في هذه الفترة، تفتقر إلى الكفاءة اللازمة للقيام بهذه المهمة الحيوية. إن اختيار أعضاء هذه اللجان لا يتم بناءً على معايير مهنية صارمة، بل يتأثر بعوامل أخرى مثل الولاءات أو العلاقات الشخصية. نتيجة لذلك، يتم إنتاج كتب لا ترقى إلى المستوى المطلوب، مما يضر بجودة التعليم في البلاد.

 

الحلول الممكنة

على الرغم من حجم المشكلة، إلا أن الحلول ليست مستحيلة. بل إن معالجة هذه الأزمة تتطلب إرادة سياسية جادة وخطة عمل متكاملة. وفيما يلي بعض الخطوات المقترحة لحل المشكلة:

 

1. الربط بين مناهج الوزارة والمطبوعات

أول خطوة يجب أن تتخذها الدولة هي ضمان التوافق التام بين المناهج التي تخطط لها وزارة التربية وإصلاح نظام التعليم والكتب المدرسية التي يتم إنتاجها. يجب أن تكون هناك لجان مشتركة تضم خبراء تربويين وأكاديميين مختصين لتحديد الأولويات وصياغة المحتوى بما يتماشى مع الأهداف التربوية.

 

2. الرقابة الخارجية

من المهم أن تكون الرقابة على الكتب المدرسية من خارج المؤسسة التي تنتجها. فترك مهمة المراجعة والتقييم للمعهد التربوي الوطني وحده يفتح الباب أمام التجاوزات والأخطاء. يمكن الاستعانة بمؤسسات مستقلة، أو فرق خبراء محليين لا بعملون في القطاع العام، لمراجعة الكتب المدرسية وضمان جودتها.

 

3. تأهيل اللجان المكلفة بصياغة الكتب

على الدولة أن تضع معايير صارمة لاختيار أعضاء اللجان المكلفة بصياغة الكتب المدرسية. يجب أن يكون هؤلاء الأعضاء من ذوي الخبرة والكفاءة في مجالات التربية والتعليم واستخدام التكنولوجيا الحديثة. كما ينبغي توفير دورات تدريبية مستمرة لهم لتطوير مهاراتهم ومواكبة أحدث التطورات في المجال التربوي.

 

4. إشراك المدرسين والتلاميذ في عملية التقييم

بما أن المدرسين هم المستخدمون الرئيسيون للكتب المدرسية في الفصول الدراسية، ولأن التلاميذ هم المستفيدون النهائيون منها، يجب إشراكهم في عملية التقييم ويمكن تنظيم استبيانات أو لقاءات دورية لجمع آرائهم وملاحظاتهم حول جودة الكتب، والاستفادة من تلك الملاحظات لتحسينها.

 

إن أزمة الكتاب المدرسي في بلدنا ليست مجرد قضية تقنية تتعلق بالطباعة أو التصميم، بل هي انعكاس لمشكلات أعمق في المنظومة التعليمية. إن معالجة هذه الأزمة تتطلب اعترافاً بالمشكلة أولاً، ثم اتخاذ خطوات جادة لتصحيح المسار. لا يمكننا بناء نظام تعليمي قوي دون كتب مدرسية ذات جودة عالية تعكس الطموحات التربوية للبلاد. إن تحسين جودة الكتاب المدرسي ليس خياراً، بل هو ضرورة لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

 

الكاتب: محمد محمود آبيه (مهتم بالشأن المحلي)