الأمم والعقل والفطرة والدين / شماد ولد مليل نافع

جعل الله للإنسان - للبشرية - العقل والفطرة والدين مننا هداية. فأما منة الفطرة فتكفرها الأمم بتشوهات التربية، وأما منة الدين فتكفرها بجعل آراء الأحبار من صلبه، فتمزج المطلق مصدرا بالمقيد معرفيا وظرفيا، فيتسع بآرائهم ويتشعب، ويتسلل إليه الظني ويتعاظم، وتضمر مساحة الاختيار، فتضيق النفوس بهلامية التفريع ، ويتيه الناس في تشِعباته مذاهب كل يطلق الحقيقة على ظلها -أو شطرها في أحسن الأحوال-، فتتبعثر النذارة بتشتت آرائهم ضبابا يحجب الوحي والعقل معا ويهدي للفرقة، فيستمرئ المؤمنون التبعيض نفاقا، يصطفي كل منهم من الدين الموزاييك الذي لا يفسد له مصلحة ولا يلجم له هوى ليستر به عن نفسه عيوبه. 

فمن كفر من الأمم منتي الفطرة والدين جنى العنف والفتنة.

وأما العقل فكفره تعطيله. فمن شكره من الأمم جوزي من ثمرته التنمية، ومن كفره منهم عوقب عقابه التخلف على قدر تعطيله. ونحن أمة كلما اهترأ عندنا قيد للعقل ظهر مجدّدون لوثاقه، يأزر سعيهم ما وقر في قلوب العامة من توجس العقل، وكأن خصومة العقل من جيِنات هذه الأمة، وإن إطلاق العقل يقتضي الاطمئنان أن لا خشية على الدين منه، وهو ما يستلزم المعرفة الدقيقة لدوائر سلطان العقل، التي فصلت -على قدر الجهد- في مقال سابق**. 

لقد ابتليت أمتنا بكفر منن العقل والفطرة والدين مجتمعة، فجمعت العنف والفتنة والتخلف إلى أن تشكرهم، فتصلح التربية، وتصون صلب الدين - مطلق المصدر- أن يختلط في أذهان المؤمنين بالرأي مهما يكن مصدره، وتعتق العقل لتعبر على أجنحته فضاء العلم والتنمية.

 

جُعلت الفطرة والعقل والدين -أدوات الاستخلاف- لأداء الأمانة التي نهض بها الإنسان جهولا يُعلمه العقل والوحي، وهي تتكامل ولا تتناقض، فلا خشية على الفطرة من الدين إن سلم، ولا خشية على الدين من العقل بعد أن تبينا حدود سلطانه، بعد أن تبينا متى يكون العقل مصدرا ليقين يتقاسم ومتى يتطاول إلى ما لا سبيل للبرهان إليه ولا تطاله آليات الإثبات بالتحقق. 

    

وفق الله وأعان

* مِن كفر النعمة صرفها لغير ما جعلت له، أو كفها كليا أو جزئيا عن ما جعلت له، وهو المقصود هنا، فكقر هذه المنن كفها أن تعطي من الهداية أكلها كاملا، فلا  الفطرة آتت أكلها، ولا الدين جنينا جنيه، ولا العقل حصدنا كسائر الأمم حصاده. يعيش ثلث سكان العالم العربي اليوم في بلدان تعيش حالة من الحرب الأهلية فلا فطرة الإخاء ولا أخوة الدين منعت ذلك ولا نور العقل ألجمه.

 العقل والمصادر النصية.. دوائر السلطان ودوائر القطعية