وكان الإستماع إليها، هو جائزة الحضور، بل كانت هي الجائزة الحقيقة في ذلك الحفل.
ولعمقها وجزالتها، فقد طلبت منه مؤخرا أن يمدني بها لأنشرها للقراء، لكنه اعتذر عن البحث عنها، لكونها موجودة ضمن ملفات، قد تكون مغبرة ويصعب الحصول عليها بسهولة.
ثم كانت لنا فرصة ثالثة وأخيرة، في مقهي خاص بأحد فنادق نواكشوط، حيث كان لنا أصدقاء مشتركون، هم السبب في لقاءاتنا المطولة والمتعددة والخاصة في ذالك المكان، الذي طالما أتحفنا الراحل فاضل بأحاديثه الممتعة، والتي ليست جميعها ابروتوكولية، وإنما كانت حديثا بين المتآلفين، الذي يتشعب أحيانا إلى مختلف جوانب الحياة- باستثناء السياسية.. إلا ما كان من حديث عن الذكريات، المتعلقة بطريقة ومكان طباعة "صيحة المظلوم"، التي كشف لنا أنها كانت تطبع على كثبان نائية شمال شرق نواكشوط، حيث كانوا يدخلون تحت غطاء، يقرأون ما هو مكتوب على ضوء المصابيح(الظويات) وزميلهم يكتب بطابعة "الداكتيلو" على " استينسيل"، وكان يصف لنا مشاق العمل حينها وصعوباته البالغة، وعند الإنتهاء يتركون معدات الطباعة تحت نفس الغطاء على تلك الكثبان النائية عن المدينة.
وعن ذكرياته عن صدام حسين.. فقد كانت انطباعاته عنه ليست سلبية بالضرورة، رغم أن الحديث لم يتطرق لسياساته، وإنما عن الإنطباعات، التي تركتها لقاءاته معه على المستوى الشخصي.
لقاءات لي معه، كشفت لي عن رزانة الرجل ووقاره وموسوعيته، التي تتنقل من الفن ومقاماته إلى تجويد القرءان وأحكامه، مرورا بما بينهما من علوم وتشعبات في الحياة.
كان ءاخر لقاء جمعنا به في بيته العامر، حيث خصنا بضيافة عشرة نجوم، وكان رحمه الله طيب المعشر، كريم الخلق.
وعند ما بعثت له برسالة- وهو على فراش المرض، معزيا في وفاة نجله، وجدته صابرا محتسبا، لمست تماسكه النفسي، من خلال رده على تلك التعزية.. وهي خصلة نادرة الحدوث في تحمل مصاب كمصابه وفي ظروف كتلك التي يعيشها آنذاك.
استمر التواصل بيننا بعد ذلك على مستوى العالم الإفتراضي، حيث خصني بتعليقات على مواضيع ثقافية كنت أبعث بها إليه وينبهني على جوانب في غاية الأهمية، وكانت ءاخر رسالة مني إليه، تلك التي بعثتها إليه يوم وفاته عن فلسطين وما كانت عليه قبل الاحتلال الصهيوني، لأكتشف مساء ذلك اليوم أنه لم يقرأها، لأنه رحمه الله كان قد غادر عالمنا الفاني وانتقل إلى رحمة الله ورضوانه.
لقد فجعت موريتانيا في وفاة رجل غير عادي، فكان رحيله خسارة للجميع.. للوطن ولأصدقائه قبل أسرته الفاضلة.
نعزي موريتانيا في وفاة فاضل ونعزي أنفسنا وأسرته الكريمة، لقد كانت وفاته خسارة حقيقية لنا جميعا.
رحم الله فاضل ولد الداه وأسكنه فسيح جناته.. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
محمد المختار ولد محمد فال- كاتب صحفي